الذكاء الاصطناعي يغير قواعد اللعبة في دراسة حركة الطيور المهاجرة وحمايتها

منذ آلاف السنين، كانت الطيور المهاجرة تسافر عبر القارات والمحيطات في رحلات بعيدة ومعقدة تضمن استمرارية الأنظمة البيئية، هذه الطيور تلعب دورًا حيويًا في تلقيح النباتات، نشر البذور، وتنظيم أعداد الحشرات، مما يساهم في الحفاظ على التوازن البيئي. 

ومع ذلك، تواجه الطيور العديد من التحديات المعقدة، مثل فقدان المواطن الطبيعية، تغيرات المناخ، والتمدن السريع، ولذلك، أصبح من الضروري دراسة وفهم أنماط هجرتها وحمايتها بشكل أكثر دقة وكفاءة.

في الماضي، كانت دراسات حركة الطيور تعتمد بشكل كبير على أساليب تقليدية قد تكون بطيئة ومعقدة، لكن مع تقدم التقنيات الحديثة، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة حاسمة في إعادة تعريف كيفية مراقبة هذه الطيور ودراسة سلوكيات هجرتها. 

من خلال أدوات متطورة، أصبح العلماء قادرين على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة، ما يساهم في حماية الطيور وضمان استدامة التنوع البيولوجي.

الهجرة وأهميتها البيئية

تُعد الهجرة بالنسبة للطيور حدثًا حاسمًا يساهم في توازن النظم البيئية حول العالم، الطيور المهاجرة ليست مجرد كائنات تهاجر من مكان إلى آخر، بل هي مؤشرات حية على صحة البيئة التي تمر بها،على سبيل المثال، يعد انخفاض أعداد طائر السنونو في أمريكا الشمالية دليلاً على تدهور المواطن الطبيعية وانخفاض أعداد الحشرات، في حين أن هجرة طائر الخرشنة القطبية التي تصل إلى 40 ألف كيلومتر تقدم رؤى هامة حول صحة المناطق القطبية والمحيطات.

نظرًا لأن العديد من الطيور تهاجر في الليل، كانت المراقبة الصوتية وسيلة فعالة لتحليل سلوكياتها، يعتمد كل نوع من الطيور على بصمة صوتية فريدة تتيح للباحثين تحديد النوع والموقع دون الحاجة إلى رؤيتها، فباستخدام هذه الأصوات، يمكن للعلماء تتبع مسارات الطيور وتحليل سلوكها أثناء هجرتها.

استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الطيور

أدى استخدام الذكاء الاصطناعي في الأبحاث الصوتية إلى تحولات كبيرة في دراسة الطيور المهاجرة، من أبرز الأدوات التي ساهمت في هذا التحول هي BirdVoxDetect و BirdNET، اللتان أصبحتا من الأدوات الأساسية في مراقبة الطيور وتحليل بياناتها.

تم تطوير BirdVoxDetect بالتعاون مع مختبر كورنيل لعلم الطيور وجامعة نيويورك، هذه الأداة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل الأصوات الملتقطة من الطيور، حتى في بيئات مليئة بالضوضاء. 

من خلال تصفية الأصوات غير المرغوب فيها مثل صوت المطر أو السيارات، تتيح هذه الأداة للعلماء تحديد أصوات الطيور بدقة عالية، ما يساعدهم في مراقبة حركة الطيور أثناء هجرتها الليلية، وقد مكنت BirdVoxDetect العلماء من تحليل آلاف الساعات من التسجيلات الصوتية، وتقديم بيانات دقيقة حول أعداد الطيور وأنواعها.

تتمثل إحدى الميزات البارزة لهذه الأداة في قدرتها على العمل في بيئات جديدة باستخدام بيانات تدريب محدودة، مما يجعلها مثالية لدراسة الطيور في المناطق النائية مثل غابات الأمازون، كما أسهمت في تسريع إجراء الدراسات الواسعة النطاق عبر أتمتة جمع البيانات وتحليلها.

أما BirdNET، فهي أداة تهدف إلى تمكين العلماء وهواة الطيور من تسجيل وتحليل أصوات الطيور باستخدام هواتفهم الذكية، خلال فعالية Global Big Day لعام 2024، ساعدت BirdNET المشاركين في التعرف على أكثر من 900 نوع من الطيور في وقت قياسي، مما ساهم في زيادة الوعي والمشاركة المجتمعية في جهود الحفاظ على البيئة.

الذكاء الاصطناعي لحماية الطيور المهاجرة

إلى جانب دوره في دراسة الطيور، يسهم الذكاء الاصطناعي أيضًا في تطوير استراتيجيات لحماية هذه الطيور من التهديدات التي قد تواجهها أثناء هجرتها، على سبيل المثال، تم استخدام الذكاء الاصطناعي في تنفيذ برامج مثل "إطفاء الأنوار" في المدن الكبيرة خلال مواسم الهجرة، لتقليل حوادث اصطدام الطيور بالمباني العالية، وقد أثبت هذا البرنامج نجاحه في مدينة شيكاغو، حيث تراجعت حوادث الاصطدام بشكل ملحوظ.

آفاق المستقبل في دراسات الطيور المهاجرة

الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على دراسة الطيور فحسب، بل يتوسع ليشمل دراسة أنواع أخرى من الحيوانات، مثل الخفافيش والحيتان، وتتيح هذه الأدوات الحديثة للباحثين جمع وتحليل البيانات بشكل أكثر دقة، ما يسهم في تحقيق فهم أعمق للأنظمة البيئية واحتياجات الحياة البرية. 

وفي المستقبل، من المتوقع أن تواصل هذه التقنيات تحسين طرق جمع البيانات البيئية، مما يساهم في حماية الأنواع المهددة وتطوير استراتيجيات مستدامة لإدارة النظم البيئية.

لقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة حقيقية في دراسة وحماية الطيور المهاجرة، من خلال أدوات مثل BirdVoxDetect و BirdNET، أصبح من الممكن مراقبة هذه الطيور وتحليل سلوكيات هجرتها بشكل لم يكن ممكنًا في السابق. 

هذه الأدوات لا تساهم فقط في تعزيز الدراسات البيئية، بل أيضًا في إيجاد حلول فعالة لحماية الطيور والحفاظ على التنوع البيولوجي، وهو ما يشكل خطوة مهمة نحو تحقيق التوازن البيئي المستدام.