تزايد عمليات الاحتيال الإلكتروني مع انتشار أسواق الجريمة الرقمية

أصبح الاحتيال الإلكتروني أكثر سهولة وانتشارًا من أي وقت مضى، وفقًا لتحذيرات خبراء الأمن السيبراني الذين يشيرون إلى تنامي الأسواق الرقمية التي توفر الأدوات والخدمات اللازمة لارتكاب الجرائم الإلكترونية. 

ولم تعد هذه الأنشطة حكرًا على قراصنة محترفين يتمتعون بمهارات تقنية عالية، بل بات بإمكان أي شخص تقريبًا الانخراط في هذا المجال بفضل توفر ما يُعرف بـ"الجريمة الإلكترونية كخدمة".

تحول جذري في طبيعة الجرائم الإلكترونية

في الماضي، كانت عمليات الاختراق والاحتيال الإلكتروني تتطلب خبرة تقنية متقدمة، لكن مع تطور التكنولوجيا وظهور منصات متخصصة في بيع الخدمات الإجرامية، انخفضت العوائق أمام الأفراد الراغبين في دخول هذا العالم المظلم.

يقول نيكولاس كورت، مساعد مدير مركز مكافحة الجرائم المالية والفساد في الإنتربول: "في التسعينيات وأوائل الألفينات، كنت بحاجة إلى مستوى متقدم من المهارات التقنية لتنفيذ هجمات إلكترونية. اليوم، يمكن لأي شخص تقريبًا شراء الأدوات اللازمة وبدء عملياته دون الحاجة إلى معرفة تقنية عميقة."

يعود هذا التحول إلى ظهور أسواق رقمية منظمة أصبحت بمثابة مراكز لبيع الخدمات الإجرامية، حيث يمكن العثور على كل شيء، بدءًا من برامج الفدية وصولًا إلى بيانات المستخدمين المسروقة، بل وحتى خدمات غسيل الأموال والتصيد الاحتيالي المصمم خصيصًا لاستهداف الضحايا.

اقتصاد الجريمة الإلكترونية ينمو بسرعة

لم تعد عمليات الاحتيال مقتصرة على أفراد يعملون بمفردهم، بل تطورت إلى شبكات إجرامية منظمة تدير عملياتها بشكل احترافي. 

ويقول توني بيرنسايد، خبير الأمن السيبراني في شركة Netskope، إن العقد الأخير شهد تطورًا كبيرًا في طبيعة هذه الجرائم، حيث انتقلت من جهود فردية إلى نظام اقتصادي متكامل يدر مليارات الدولارات سنويًا.

واحدة من أبرز هذه الأسواق الإلكترونية هي "Huione Guarantee"، التي تعتبر منصة رئيسية لغسيل الأموال والمعاملات غير القانونية باستخدام العملات المشفرة. 

وفقًا لتقرير صادر عن Chainalysis، فقد شهدت هذه المنصة تدفق معاملات بقيمة 70 مليار دولار منذ عام 2021، ما يجعلها واحدة من أكبر منصات الجريمة الرقمية في العالم، توفر هذه المنصة خدمات احتيالية تبدأ تكلفتها من بضعة مئات من الدولارات، ما يجعل الوصول إليها سهلًا حتى بالنسبة للمجرمين الجدد في هذا المجال.

استخدام الذكاء الاصطناعي في الاحتيال

أحد أخطر التطورات في عالم الاحتيال الإلكتروني هو استغلال الذكاء الاصطناعي لتنفيذ عمليات أكثر تعقيدًا وأقل قابلية للاكتشاف، أصبح من الممكن الآن إنشاء مقاطع فيديو وأصوات مزيفة عالية الجودة باستخدام تقنية التزييف العميق (Deepfake)، مما يسهل عمليات انتحال الهوية وإقناع الضحايا بأنهم يتعاملون مع أشخاص حقيقيين.

كما تحسنت رسائل التصيد الاحتيالي بشكل ملحوظ، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة رسائل أكثر إقناعًا، مما يزيد من احتمالية وقوع المستخدمين في الفخ، هذه التطورات جعلت من الصعب التمييز بين الرسائل الحقيقية والمزيفة، حتى بالنسبة للأشخاص الذين لديهم وعي أمني جيد.

التحديات في مكافحة الجريمة الإلكترونية

رغم الجهود الدولية لمكافحة الاحتيال الإلكتروني والجريمة الرقمية، إلا أن الطبيعة العالمية لهذه العمليات تجعل التصدي لها أكثر تعقيدًا، يعمل المجرمون من دول مختلفة، وغالبًا ما يستخدمون شبكات مجهولة مثل "دارك ويب" والعملات المشفرة لإخفاء هوياتهم وتعقيد عمليات التتبع.

يؤكد خبراء الأمن السيبراني أن الحل لا يكمن فقط في ملاحقة هؤلاء المجرمين بعد تنفيذ عملياتهم، بل في تعزيز أساليب الوقاية والتوعية. تحتاج الشركات والمؤسسات إلى تحديث بروتوكولات الأمن السيبراني باستمرار، مع الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد الأنشطة المشبوهة قبل وقوع الهجمات. 

كما يُنصح المستخدمون الأفراد بتوخي الحذر عند التعامل مع رسائل البريد الإلكتروني المشبوهة، وعدم مشاركة بياناتهم الشخصية مع أي جهة غير موثوقة.

ما الذي يجب فعله لمواجهة هذه التهديدات؟

على الحكومات والجهات الأمنية تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الأسواق الرقمية الإجرامية.

يجب على الشركات الاستثمار في أنظمة أمن سيبراني متقدمة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

يحتاج المستخدمون إلى رفع مستوى وعيهم بالمخاطر الرقمية لتجنب الوقوع ضحايا لعمليات الاحتيال المتطورة.

مع استمرار تطور تقنيات الاحتيال وانتشار الأسواق السوداء الرقمية، يبقى الأمن السيبراني تحديًا مستمرًا يتطلب استراتيجيات متجددة وحلولًا أكثر فعالية لمكافحة هذا التهديد المتنامي.

لمتابعة صفحة موبايل نيوز على فيسبوك اضغط هنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا