التطور التكنولوجي في المجال العسكري قد يعرضنا لمخاطر جديدة تفتك بالبشرية

تطورات تكنولوجيا  الذكاء الاصطناعي يعد عامل رئيسي قد تؤثر بشكل كبير على طبيعة الحروب في المستقبل. ومن المهم أن ندرك أن الاستخدام السلمي للذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم فوائد هائلة للبشرية في مجالات مثل الطب والعلوم والتكنولوجيا وغيرها. ومع ذلك، يجب أيضًا أن نكون على دراية بالتحديات والمخاطر المحتملة التي قد تنشأ عن استخدام الذكاء الاصطناعي في السياق العسكري.

ومن الضروري تنظيم استخدام التكنولوجيا الذكية في الحروب بما يتماشى مع القوانين الدولية والقيم الإنسانية، وضمان أن يكون الهدف الأساسي هو الحفاظ على السلام وتقديم الأمان للشعوب. وبذلك، يمكن أن يسهم التطور التدريجي والمسؤول للذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف سلمية وتقدم بشري، بدلاً من تفاقم النزاعات والمشاكل.

ولكن مع الوقت يظهر لنا كيف يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دوراً حاسماً في نتائج المعارك والصراعات. في حالة معركة كونيغراتس، كانت الابتكارات التكنولوجية في تصميم البنادق لدى البروسيين تعطيهم ميزة تكتيكية حاسمة على منافسيهم.

هذا المثال يبرز أهمية الابتكار التكنولوجي والتطور المستمر في تجهيزات وتقنيات الحرب، ويظهر كيف يمكن لهذه الابتكارات أن تؤثر بشكل كبير في مجريات الأحداث ونتائج المعارك. ومن هنا يتضح أن التكنولوجيا لها دور كبير في تحديد قوة الدول ونجاحها في الميدان العسكري.

ويشير ذلك إلى  أن  الذكاء الاصطناعي يمثل تطوراً تكنولوجياً كبيراً قد يؤثر على كل جانب من جوانب الحياة البشرية، بما في ذلك المجال العسكري. يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثيراً كبيراً على استراتيجيات الدفاع والهجوم وحتى على نوعية الأسلحة المستخدمة.

ومن الممكن أن يؤدي التطور السريع في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تطوير نظم عسكرية متقدمة تعتمد على الذكاء الصناعي لاتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات العسكرية. وبالتالي، قد يكون للدول الراغبة في تطوير القوة العسكرية ميزة إذا نجحت في توظيف التكنولوجيا الذكية بفعالية في قطاع الدفاع. 

ويكشف ذلك عن أن التأثير الكامل للذكاء الاصطناعي على المجال العسكري لا يمكن تحديده بشكل نهائي في الوقت الحالي، وقد يتطلب الأمر سنوات من البحث والتطوير والاختبار لتحديد كيفية استخدامه بشكل فعال وفعّال في القطاع العسكري.

ومن المهم معرفة أن الأقمار الاصطناعية بالتعاون مع تقنيات التجسس والرصد تلعب دوراً مهماً في جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها في الوقت الحقيقي. فهي تمكن الجيوش والأجهزة الاستخباراتية من الحصول على صور متكاملة للمناطق المستهدفة ومراقبتها بشكل دقيق، مما يساعدهم في اتخاذ القرارات الاستراتيجية بشأن النشاطات العسكرية للأعداء.

كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل هذه البيانات يمكن أن يزيد من كفاءة العمليات الاستخباراتية، حيث يمكن للنظم الذكية استخلاص المعلومات الحيوية من تلك الصور بشكل أسرع وأدق مما يمكن للبشر تحليلها بمفردهم. هذا يساعد القوات العسكرية على فهم الوضع بشكل أفضل واتخاذ الإجراءات الضرورية في الوقت المناسب.

ولكن يجب الانتباه إلى أن استخدام التكنولوجيا في القطاع العسكري يثير العديد من الأسئلة الأخلاقية والقانونية، ويتطلب الأمر وضع إطار قانوني وأخلاقي صارم لضمان استخدامها بطريقة تتوافق مع القوانين الدولية وتحافظ على الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.

ويعد، إضافة الذكاء الاصطناعي إلى الطائرات المسيرة والروبوتات العسكرية يمكن أن تحدث تحولاً كبيراً في طريقة تنفيذ العمليات العسكرية. فهذه الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تقوم بمهام متنوعة وخطيرة بشكل أكثر دقة وسرعة من البشر، مما يساعد في تحسين كفاءة العمليات العسكرية وتقليل المخاطر على الجنود.

وابرز الأمثلة على ذلك هو استخدام الطائرات المسيرة كمساعدين للطيارين المقاتلين هو مثال جيد على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز القدرات العسكرية بدون الحاجة إلى استبدال الإنسان بالتكنولوجيا بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، فإن توجيه الجهود البشرية نحو المهام الأكثر استراتيجية واتخاذ القرارات الحاسمة يمكن أن يزيد من فعالية القوات العسكرية ويقلل من خطر الخطأ البشري.

ومع ذلك، يجب أيضاً مراعاة القضايا الأخلاقية والقانونية المتعلقة بالاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التأكد من الامتثال لقوانين حقوق الإنسان والحفاظ على سلامة المدنيين خلال العمليات العسكرية.

أهم التفاصيل هنا تتمثل في أن هذه الروبوتات يجب أن تتطلب إذناً من إنسان قبل أن تقتل. وأعتقد أننا لا ينبغي أبداً أن نثق في أن تمتلك أي خوارزمية وعياً سياقياً كافياً للحكم، مثلاً، بأن مجموعة من الأشخاص الذين يرتدون ملابس مدنية هم على الأرجح من المدنيين أم أنهم مقاتلون –فحتى البشر معروفون بضعف القدرة على تمييز الفرق بينهما. كما لا ينبغي أن نسمح للذكاء الاصطناعي بتقييم ما إذا كانت الخسائر البشرية المطلوبة لنجاح المهمة التكتيكية متناسبة مع الهدف الاستراتيجي أم لا.
 

وتعتبر هذه الأنظمة تعمل بشكل آلي وتتخذ قرارات بشأن استخدام الأسلحة النووية دون تدخل بشري مباشر تثير قضايا أخلاقية وقانونية هامة. تحمل هذه الأنظمة مسؤولية كبيرة وتطلب دراسة متعمقة للتأكد من سلامة وموثوقية القرارات التي تتخذها.

من المهم أن تتخذ الدول الإجراءات اللازمة لضمان تحكم بشري فعال ومراقبة عند استخدام التكنولوجيا الذكية في مجال الأمن والدفاع. يجب وضع سياسات وقوانين تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع العسكري، بما في ذلك تحديد الإطار القانوني والأخلاقي والمراقبة الدقيقة لتجنب الاستخدام غير المشروع أو غير الأخلاقي لتلك التقنيات.

يجب أيضًا على الدول التعاون في إطار دولي لتطوير معايير ومبادئ مشتركة لاستخدام التكنولوجيا الذكية في القطاع العسكري، مما يسهم في تعزيز الثقة المتبادلة وتقليل مخاطر التصعيد العسكري غير المرغوب فيه.

وتمثل هذه التحديات الأخلاقية والقانونية الهامة جزءًا أساسيًا من التطورات التكنولوجية في مجال الدفاع والأمن. يجب أن تكون سيطرة الإنسان على القرار النهائي فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا الذكية في المجال العسكري واضحة ومطلقة.

يجب أن تضمن الدول تطوير أنظمة تكنولوجية متقدمة بشكل يتيح السيطرة والمراقبة البشرية الكاملة. ينبغي أن تتم مراقبة وتقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات العسكرية بشكل منتظم لضمان أنها تعمل وفقًا للقواعد الأخلاقية والقانونية المعترف بها دوليًا.

بالإضافة إلى ذلك، يتعين على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية العمل بشكل مشترك لوضع قوانين ومعايير دولية تنظم استخدام التكنولوجيا الذكية في المجال العسكري، وتحدد المسؤوليات والتدابير الواجب اتخاذها لضمان السلامة والأمان الدوليين.

ويجب علي الولايات المتحدة باعتبارها الأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية، قادت المبادرات في بعض النواحي بأسلوب القدوة، ولم تكن كذلك في بعض النواحي الأخرى. ففي مراجعتها للوضع النووي في عام 2022، قالت إنها "ستحافظ دائماً على وجود إنسان" عند اتخاذ قرارات الإطلاق. ولم تصدر روسيا أو الصين إعلاناً مماثلاً.

وفي العام الماضي، أصدرت الولايات المتحدة أيضاً "الإعلان السياسي بشأن الاستخدام العسكري المسؤول للذكاء الاصطناعي والتشغيل الذاتي". ويدعو هذا الإعلان، الذي صادقت عليه 52 دولة، إلى تقديم جميع أنواع "الضمانات" بشأن أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل.

حتى لو رفض العالم وجود "أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل"، سيواصل الذكاء الاصطناعي، اختلاق مخاطر جديدة. فسوف يسرع من القرارات العسكرية لدرجة أن البشر قد لا يتاح لهم ما يكفي من الوقت لتقييم الموقف او الايقاف ، وفي حالة الضغط الشديد، إما أن يرتكبوا أخطاءً قاتلةً أو يستسلموا للخوارزمية. وهذا ما يسمى بـ"الانحياز للآلة" (Automation Bias)، وهو الظاهرة النفسية التي تكون سائدة عندما يترك الناس.

يتعين على المجتمع الدولي العمل معًا لوضع إطار قانوني وأخلاقي ينظم استخدام التكنولوجيا الذكية في المجال العسكري ويحدد المسؤوليات والضوابط اللازمة لضمان السلامة والأمان العالميين.

كما يجب أن تكون القوانين الدولية والمعايير الأخلاقية قوية وواضحة بما يكفل سيطرة الإنسان على القرار النهائي في استخدام التكنولوجيا الذكية في المجال العسكري. ينبغي أن يتم وضع آليات فعالة للمراقبة والمراجعة المستمرة لتقييم تأثيرات هذه التكنولوجيا على الأمن الدولي وحقوق الإنسان.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الدول الكبرى القيادية أن تتبنى مواقف رئيسية وتعمل على تعزيز التعاون الدولي لتحديد ومناقشة التحديات والمخاطر المرتبطة بتطوير واستخدام التكنولوجيا الذكية في المجال العسكري.

وبالتالى فإن التطور التكنولوجي في المجال العسكري يمكن أن يعرضنا لمخاطر جديدة، ولكن هذه المخاطر يمكن التعامل معها بشكل فعال إذا تم التصدي لها بشكل مستدام وذكي. يجب علينا أن نتبنى نهجًا حذرًا ومسؤولًا تجاه تطوير واستخدام التكنولوجيا العسكرية، وأن نعمل على تعزيز السيطرة البشرية والمراقبة على الأنظمة الذكية.

من المهم أن نضمن أن القرارات النهائية فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا العسكرية تبقى تحت سيطرة البشر، وأن نضع آليات فعالة للمراقبة والمراجعة المستمرة للتأكد من أن هذه التكنولوجيا تستخدم بطرق متوافقة مع القوانين الدولية والمعايير الأخلاقية.

كما ينبغي  علي الدول أن نعمل على تعزيز التفاهم والتعاون بين الدول والمؤسسات الدولية لضمان أن التكنولوجيا الذكية تستخدم بشكل يعزز السلام والأمن الدوليين، وتعمل على تحقيق التنمية المستدامة وحقوق الإنسان.