صناعة أشباه الموصلات: ساحة صراع عالمي على رقائق المستقبل

في قلب التكنولوجيا الحديثة تقف صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية كعنصر حيوي يشغل مجموعة واسعة من الأجهزة التي نعتمد عليها في حياتنا اليومية. 

سواء كانت الهواتف الذكية، الحواسيب، السيارات، أو حتى الطائرات، تعد هذه الرقائق المحرك الأساسي للابتكار التقني، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من التطورات الصناعية والاقتصادية. كما أن دورها الحيوي في تقنيات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة الدفاعية يعزز من أهميتها على الصعيد العالمي.

تعريف أشباه الموصلات

أشباه الموصلات هي مواد تمتلك خصائص كهربائية فريدة، تجعلها قادرة على توصيل الكهرباء بشكل جزئي، مما يجعلها مثالية لصنع الرقائق الإلكترونية. يُعد السيليكون المادة الأساسية المستخدمة في تصنيع أشباه الموصلات، وهو عنصر حيوي في صناعة الإلكترونيات الحديثة. 

في عام 2023، قُدرت قيمة صناعة أشباه الموصلات بنحو 600 مليار دولار، مما يجعلها من أكبر الصناعات العالمية التي توظف ملايين الأشخاص وتساهم بشكل كبير في الاقتصاد العالمي.

أبرز الشركات الرائدة في صناعة أشباه الموصلات

تتسم صناعة أشباه الموصلات بتنافسية عالية، حيث تتسابق الشركات الكبرى على تطوير رقائق أصغر، أسرع، وأكثر فعالية من حيث التكلفة. نستعرض هنا أبرز خمس شركات تتصدر هذه الصناعة بناءً على إيراداتها وأدائها في السوق:

سامسونغ (كوريا الجنوبية): 

تحتل شركة سامسونغ المركز الأول بإيرادات تشغيلية بلغت 50.6 مليار دولار، وتتمتع بقيمة سوقية تقدر بـ 370.5 مليار دولار. تُعد سامسونغ لاعبًا رئيسيًا في الإلكترونيات الاستهلاكية، وهي معروفة بجودة منتجاتها وابتكاراتها التقنية.

شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC): 

تأتي في المرتبة الثانية بإيرادات تشغيلية بلغت 19.9 مليار دولار وقيمة سوقية ضخمة تصل إلى 542.6 مليار دولار. تُعد TSMC رائدة في تصنيع الرقائق المتقدمة وتقدم خدماتها لكبرى شركات التكنولوجيا مثل "أبل" و"كوالكوم".

إنفيديا (الولايات المتحدة): 

شهدت الشركة نموًا هائلًا بفضل الطلب المتزايد على وحدات معالجة الرسومات ووحدات الذكاء الاصطناعي. حققت إيرادات تشغيلية بلغت 18.1 مليار دولار، وتُقدر قيمتها السوقية بـ 1.8 تريليون دولار.

إنتل (الولايات المتحدة): 

تُعرف إنتل بوحدات المعالجة المركزية المستخدمة في أجهزة الكمبيوتر الشخصية وخوادم المؤسسات. حققت الشركة إيرادات تشغيلية بلغت 14.2 مليار دولار، وتُقدر قيمتها السوقية بـ 185.9 مليار دولار.

برودكوم (الولايات المتحدة): 

توفر حلولًا متكاملة لأشباه الموصلات والبرامج لمختلف قطاعات التكنولوجيا. حققت إيرادات بلغت 9.3 مليار دولار وقيمة سوقية تقدر بـ 584.8 مليار دولار.

صراع القوى الكبرى: الولايات المتحدة والصين

أصبحت أشباه الموصلات ساحة جديدة للصراع بين الولايات المتحدة والصين، حيث يسعى كل طرف للهيمنة على هذه الصناعة الحيوية. فبينما تشكل الولايات المتحدة 25% من الطلب العالمي على أشباه الموصلات، لا تمثل قدرتها التصنيعية سوى 12% فقط من السوق. 

في المقابل، تسعى الصين لزيادة اكتفائها الذاتي في هذه الصناعة، وهو ما يثير مخاوف الولايات المتحدة التي تسعى بدورها لتعزيز إنتاجها المحلي وتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب.

قانون "الرقائق والعلوم" الأمريكي: محاولة لاستعادة السيطرة

في إطار سعيها لتعزيز صناعتها المحلية، أصدرت الولايات المتحدة قانون "الرقائق والعلوم" في أغسطس 2022، الذي يخصص 280 مليار دولار لدعم البحوث المحلية وتصنيع أشباه الموصلات على مدى 10 سنوات. 

يشمل القانون تقديم حوافز ضريبية واستثمارات كبيرة لدعم الشركات المحلية مثل سامسونغ، إنتل، وغلوبال فاوندريز.

العقوبات الأمريكية: أداة في صراع الهيمنة

إلى جانب دعم الإنتاج المحلي، لجأت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على الشركات الصينية في محاولة للحد من تقدم الصين في صناعة أشباه الموصلات. 

بدأت هذه العقوبات في عام 2017 عندما فرضت وزارة التجارة الأمريكية غرامة كبيرة على شركة "زد تي إي" بسبب انتهاكها للقوانين الأمريكية. توسعت هذه العقوبات لتشمل شركات أخرى مثل "هواوي" و"هيكفيغن"، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين البلدين.

الصين تواجه التحديات

رغم العقوبات، ما زالت الصين تعمل على تطوير تقنياتها المحلية في مجال أشباه الموصلات، حيث تحتل المرتبة الخامسة عالميًا في الإنتاج بعد تايوان وكوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة. إلا أن التحديات التي تواجهها الصين تشمل تقادم التكنولوجيا وارتفاع تكاليف الإنتاج، مما يجعلها مضطرة لرفع أسعار منتجاتها بشكل كبير.

مستقبل صناعة أشباه الموصلات

يبقى مستقبل صناعة أشباه الموصلات مرتبطًا بشكل كبير بالتنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى. وبينما تسعى الولايات المتحدة لاستعادة هيمنتها على هذه الصناعة، تعمل الصين على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير تقنياتها الخاصة. 

وفي ظل هذا الصراع، ستستمر صناعة أشباه الموصلات في النمو والتطور، لكنها ستبقى تحت تأثير التوترات السياسية والاقتصادية بين الدول.