ماليزيا: صعود مفاجئ في صناعة أشباه الموصلات

مراجعة : ياسين عبد العزيز

الأحد، 01 سبتمبر 2024 09:45 ص

صناعة أشباه الموصلات

صناعة أشباه الموصلات

تعتبر أشباه الموصلات العمود الفقري للتكنولوجيا الحديثة، حيث تدخل في صناعة الأجهزة الإلكترونية التي تتراوح من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية، مروراً بالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. 

ومع التطور السريع في هذه المجالات، أصبح سوق أشباه الموصلات عالميًا محورياً أكثر من أي وقت مضى. في عام 2023، قُدر حجم سوق أشباه الموصلات العالمي بحوالي 600 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز حاجز 2 تريليون دولار بحلول عام 2032، مما يجعلها واحدة من أسرع الصناعات نموًا على مستوى العالم.

تايوان: عملاق تحت الضغط

تُعد تايوان القائد العالمي في صناعة أشباه الموصلات، حيث تمتلك حصة سوقية تبلغ 68%. وتتصدر شركة "تايوان لتصنيع أشباه الموصلات" (TSMC) هذا القطاع، إذ تنتج 90% من أشباه الموصلات الرائدة التي تستخدم في التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي. 

ورغم هذا النجاح، فإن التوترات الجيوسياسية المستمرة في المنطقة تثير قلق الشركات التي تعتمد على هذه الصناعة الحيوية، مما يدفعها إلى البحث عن بدائل أخرى خارج الجزيرة لضمان استمرار سلسلة التوريد وتفادي أي اضطرابات محتملة.

ماليزيا تدخل المنافسة

في هذا السياق، برزت ماليزيا كوجهة محتملة لتصبح مركزاً جديداً لصناعة أشباه الموصلات. وبدعم من التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، والحرب التكنولوجية الدائرة بينهما، بدأت ماليزيا تسعى جاهدة للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية لتعزيز مكانتها في هذا القطاع الحيوي. 

أعلن رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، عن خطة استراتيجية طموحة لتطوير صناعة أشباه الموصلات في البلاد، تهدف إلى جعل ماليزيا واحدة من اللاعبين الرئيسيين على الساحة العالمية.

الاستراتيجية الوطنية الماليزية لأشباه الموصلات

أطلقت الحكومة الماليزية الاستراتيجية الوطنية لأشباه الموصلات (NSS)، والتي تُعد "وثيقة حية" تهدف إلى تطوير قدرات البلاد في هذا المجال. وتنقسم هذه الاستراتيجية إلى ثلاث مراحل رئيسية:

المرحلة الأولى: تعزيز القدرات الصناعية الحالية لماليزيا من خلال تحديث عمليات التجميع والاختبار باستخدام تقنيات التعبئة والتغليف المتقدمة.

المرحلة الثانية: التركيز على تطوير مهارات الدولة في تصميم وتصنيع شرائح الذاكرة والدوائر المنطقية المتطورة.

المرحلة الثالثة: دعم تطوير شركات ماليزية عالمية المستوى في مجال تصميم أشباه الموصلات ومعدات التصنيع.

صناعة أشباه الموصلات ضحية جديدة للحرب الروسية الأوكرانية - شبكة رؤية  الإخبارية

تسعى ماليزيا من خلال هذه الاستراتيجية إلى جذب استثمارات تتجاوز 100 مليار دولار خلال المرحلة الأولى، وإنشاء 10 شركات محلية في مجال التصميم والتعبئة المتقدمة، وتأسيس 100 شركة مرتبطة بصناعة أشباه الموصلات.

ولاية بينانغ: مركز الاستثمارات الأجنبية

تتركز الجهود الماليزية في ولاية بينانغ الشمالية، التي أصبحت الوجهة المفضلة للشركات العالمية. حققت بينانغ رقماً قياسياً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغ 12.8 مليار دولار في عام 2023، مما يعكس الثقة العالمية في إمكانيات ماليزيا. 

الشركات الكبرى مثل "إنتل" و"ميكرون" و"إنفينيون" استثمرت بشكل كبير في هذه المنطقة، مما يعزز من مكانتها كمركز لصناعة أشباه الموصلات.

التنافس الجيوسياسي كفرصة لماليزيا

يعتبر التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين "فرصة العمر" لماليزيا لتعزيز مكانتها في صناعة أشباه الموصلات. تدرك الحكومة الماليزية أهمية هذه الفرصة وتسعى جاهدة لاستغلالها لتحقيق نمو اقتصادي مستدام. 

وقد أكد وزير الصناعة والاستثمار الماليزي، ظافرول عبدالعزيز، على ضرورة استغلال هذه الفرصة لتعزيز سلسلة التوريد العالمية وتجنب الاضطرابات الجيوسياسية.

التحديات والفرص

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها ماليزيا في محاولتها الصعود كمركز عالمي لصناعة أشباه الموصلات، فإن الفرص المتاحة تفتح أبوابًا واسعة للنمو والتطور. 

بفضل استراتيجيتها الوطنية الطموحة واستثمارات الشركات العالمية، يبدو أن ماليزيا على الطريق الصحيح لتصبح "عملاق أشباه الموصلات" القادم من آسيا.

باختصار، تحمل ماليزيا آمالاً كبيرة لتصبح واحدة من اللاعبين الرئيسيين في صناعة أشباه الموصلات على الساحة العالمية، وذلك بفضل استراتيجيتها الوطنية الطموحة، والدعم الحكومي القوي، والاستثمارات الأجنبية المتزايدة. وإذا نجحت في تحقيق أهدافها، فقد تصبح ماليزيا قوة لا يستهان بها في هذا القطاع الحيوي.

ابحث عن مواصفات هاتفك

Back Top