مصر على أعتاب تحول إلى مركز عالمي لصناعة الإلكترونيات وأشباه الموصلات

تسعى الحكومة المصرية، من خلال وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات "إيتيدا"، إلى تحويل مصر إلى مركز عالمي لخدمات البحث والتطوير الهندسي، مع التركيز على مجالات تصميم الإلكترونيات وأشباه الموصلات والدوائر الإلكترونية المتكاملة. 

هذه الصناعات تشكل العمود الفقري للعديد من الأجهزة الإلكترونية الحديثة وتعتبر أساسية في تصنيع السفن والطائرات والأسلحة، ما يجعلها محط أنظار القوى العالمية.

تأتي هذه المبادرة الحكومية في وقت حرج حيث تشهد صناعة أشباه الموصلات منافسة عالمية شديدة بين القوى الكبرى مثل الصين، تايوان، والدول الغربية، مما يبرز أهمية تعزيز هذه الصناعة داخل مصر. 

الوزارة و"إيتيدا" تعملان على استثمار القدرات البشرية المصرية وتوجيهها نحو هذه المجالات ذات القيمة المضافة العالية، والتي تعدّ أحد أهم مصادر الدخل القومي من العملة الصعبة.

مبادرة "مصر تصنع الإلكترونيات"

منذ عام 2015، أطلقت وزارة الاتصالات مبادرة "مصر تصنع الإلكترونيات" (EME) التي ركزت على تطوير صناعة الإلكترونيات بشقيها: تصميم وإنتاج الدوائر الإلكترونية عالية القيمة، وإنشاء صناعة إلكترونيات كثيفة العمالة. 

تستهدف هذه المبادرة جذب الاستثمارات لتصنيع منتجات إلكترونية متقدمة تتمتع بزيادة الطلب في الأسواق المحلية والإقليمية، مثل أجهزة الاتصالات والأنظمة المدمجة، مع توفير الدعم الفني المتخصص وتقديم حوافز للمستثمرين.

وتشمل أهداف المبادرة تمكين البحث والتطوير والابتكار، وتعزيز التعاون بين الصناعة والأوساط الأكاديمية، إلى جانب تشجيع الصادرات المصرية والاستفادة من الاتفاقيات التجارية القائمة.

سوق أشباه الموصلات العالمي وتوقعات النمو

تشير توقعات مجموعة IMARC للأبحاث إلى أن سوق صناعة أشباه الموصلات عالميًا سيصل إلى 150.4 مليار دولار بحلول عام 2028، مع نمو سنوي بنسبة 4.9%. 

هذه التوقعات تستند إلى زيادة الطلب على الأجهزة الإلكترونية عالية السرعة، وانتشار تكنولوجيا الجيل الخامس، وتبني إضاءة LED، إلى جانب التطبيقات الناشئة مثل إنترنت الأشياء والطاقة المتجددة.

قصص نجاح وتوسع الشركات العالمية في مصر

بفضل الجهود المكثفة المبذولة من قبل وزارة الاتصالات و"إيتيدا"، شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في حجم أعمال الشركات المصرية والعالمية المتخصصة في هذا المجال. 

ومن أبرز النجاحات استقطاب شركة فاليو الفرنسية في عام 2006، واستحواذ شركة Synopsys الأمريكية على حلول تكنولوجيا الاتصالات الخاصة بشركة Silicon Vision المصرية عام 2015.

هذا الدعم يتجلى في أشكال متعددة، منها دعم الصادرات الرقمية وتدريب الكوادر البشرية المتخصصة ومنحهم شهادات دولية معتمدة. 

كما نجحت "إيتيدا" في توقيع عدة مذكرات تفاهم مع كيانات عالمية لتوسيع نطاق أعمالها في مصر، مثل الاتفاق مع شركة "سيمنز" لتطوير برمجيات الصناعات الرقمية، وإعلان شركة لوكسوفت عن توسعها في السوق المصرية.

مصر كمركز للأبحاث والتطوير في صناعة الإلكترونيات

في النصف الثاني من عام 2023، استقطبت مصر القمة الأولى للتحالف العالمي لأشباه الموصلات "جى إس إيه مصر"، مما يعكس التقدم الذي تحرزه البلاد في هذا المجال. 

التحالف العالمي لأشباه الموصلات (Global Semiconductor Alliance) هو منظمة صناعية تجمع قادة صناعة الإلكترونيات وأشباه الموصلات من جميع أنحاء العالم بهدف إنشاء نظام بيئي تقني فعال ومستدام.

رؤية مستقبلية للصناعة في مصر

وفقًا لتصريحات الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تستهدف الحكومة المصرية مضاعفة الصادرات الرقمية من منتجات وخدمات تكنولوجيا المعلومات وتصميم الإلكترونيات لتصل إلى 9 مليارات دولار بحلول عام 2026. 

هذا التوجه يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للخدمات ذات القيمة المضافة، ويفتح أفقًا واسعًا لتوفير فرص عمل نوعية للشباب المصري وجذب المزيد من الاستثمارات.

في الوقت الراهن، يعمل في مصر أكثر من 70 شركة محلية وعالمية متخصصة في تصميم الإلكترونيات وأشباه الموصلات، حيث توظف هذه الشركات أكثر من 8000 مهندس متخصص. 

هذه الشركات تساهم بشكل كبير في تصدير خدماتها للأسواق العالمية، مما يضع مصر على خريطة صناعة التكنولوجيا المتقدمة.

تمضي مصر بخطى ثابتة نحو تحويل نفسها إلى مركز عالمي في مجال صناعة الإلكترونيات وأشباه الموصلات. الجهود الحكومية المبذولة، والدعم المتواصل من "إيتيدا"، بالإضافة إلى استقطاب الشركات العالمية، تشكل قاعدة قوية لتحقيق هذا الهدف الطموح، مما يمهد الطريق أمام مصر لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وزيادة دورها في الاقتصاد الرقمي العالمي.