كيف غيّرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي مسار الاكتشافات العلمية؟

مع تقدم العلم والتكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، دخلنا في عصر يشهد فيه العالم تحوّلات جذرية، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي يشكل ركيزة أساسية في تسريع الاكتشافات العلمية وفتح آفاق جديدة في مختلف المجالات، فبعد عقود من التقدم البطيء نسبيًا، أتى الذكاء الاصطناعي ليغير المعادلة بالكامل، مقدماً حلولًا مبتكرة للمشكلات التي استعصت على البشرية لعقود طويلة. 

في هذا السياق، لا شك أن التطور الكبير الذي حققته الخوارزميات الذكية قد أثّر بشكل عميق في مجموعة متنوعة من التخصصات، من علوم الحياة إلى الكيمياء وعلوم الفضاء، مما يفتح أمامنا آفاقًا مستقبلية مشوقة.

1. كسر التحدي الذي دام 50 عامًا في تحديد بنية البروتين

لطالما كانت معرفة كيفية عمل البروتينات داخل الكائنات الحية هي حجر الزاوية لفهم بيولوجيا الحياة نفسها. ومع ذلك، كان تحديد بنية البروتين من أكبر التحديات التي واجهت العلماء لعقود، لكن مع ظهور نموذج "AlphaFold 2" التابع لشركة DeepMind التابعة لجوجل في 2022، تم حل هذا اللغز بطريقة مذهلة، فقد استطاع النموذج التنبؤ بدقة غير مسبوقة بهياكل أكثر من 200 مليون بروتين، مما فتح بابًا جديدًا للبحث في المجالات الطبية مثل تصميم الأدوية، وتطوير العلاجات للأمراض المستعصية، بالإضافة إلى مواجهة تحديات مقاومة المضادات الحيوية.

2. فهم الدماغ البشري بدقة غير مسبوقة

ظل الدماغ البشري لأعوام طويلة لغزًا محيرًا للعلماء بسبب تعقيد بنيته والاتصالات العصبية فيه. في خطوة فريدة من نوعها، تعاونت شركة جوجل مع مختبر ليختمان في جامعة هارفارد لرسم خريطة تفصيلية للدماغ البشري باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. 

وبفضل هذه التقنية، تمكن العلماء من اكتشاف شبكة معقدة من الخلايا العصبية داخل مساحة لا تتجاوز حجم حبة الرمل. هذه الخريطة، التي تحتوي على نحو 1.4 بيتابايت من البيانات، قد تكون نقطة انطلاق لفهم أفضل لأمراض الدماغ مثل الزهايمر والصرع.

3. التنبؤ بالفيضانات لإنقاذ الأرواح

لطالما كان التنبؤ بالفيضانات يشكل تحديًا كبيرًا بسبب ندرة البيانات حول الأنهار والأمطار، ومع ذلك، تمكن فريق من الباحثين في جوجل من تطوير نموذج ذكاء اصطناعي قادر على التنبؤ بالفيضانات بدقة تصل إلى خمسة أيام في المستقبل، وهو ما يسهم بشكل كبير في اتخاذ التدابير الوقائية في الوقت المناسب.

 في عام 2024، قامت جوجل بتوسيع نطاق هذا النظام ليشمل 100 دولة، مما يساهم في إنقاذ الأرواح وحماية الممتلكات من كوارث طبيعية.

4. التعامل مع حرائق الغابات باستخدام الذكاء الاصطناعي

حرائق الغابات أصبحت أحد التهديدات الكبرى في عصر التغير المناخي. ومن أجل التصدي لهذا التحدي، أطلقت جوجل بالتعاون مع دائرة الغابات الأمريكية نظامًا مبتكرًا يُسمى "FireSat"، الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن حرائق الغابات. 

وبفضل الأقمار الصناعية المتطورة ونماذج الذكاء الاصطناعي، يمكن اكتشاف الحرائق الصغيرة بدقة متناهية في غضون 20 دقيقة، مما يسمح لفرق الإطفاء بالتدخل سريعًا وتقليل الخسائر البشرية والبيئية.

5. نموذج GraphCast لتحسين التنبؤ بالطقس

في إنجاز علمي آخر، قدّم نموذج "GraphCast" من شركة جوجل تقدمًا كبيرًا في مجال التنبؤ بالطقس. يعتمد هذا النموذج على تقنيات التعلم الآلي لتقديم توقعات جوية دقيقة لأيام متعددة، متفوقًا على النماذج التقليدية في دقة التنبؤ بدرجات الحرارة وهطول الأمطار والظواهر الجوية الأخرى. 

بفضل هذا النموذج، أصبح من الممكن التنبؤ بشكل أدق بحركة الأعاصير والعواصف، مما يسهم في تحسين استراتيجيات إدارة الكوارث.

6. دفع حدود التفكير الرياضي عبر الذكاء الاصطناعي

منذ سنوات، كان يُنظر إلى الرياضيات، وبالأخص المسائل الهندسية المعقدة، على أنها مجال صعب للغاية بالنسبة للذكاء الاصطناعي. ولكن مع إطلاق "AlphaGeometry" من جوجل، دخلت الرياضيات مرحلة جديدة من التقدم. 

تمكن هذا النموذج من حل المسائل الهندسية المعقدة بمستوى أداء يعادل مستويات المتسابقين في أولمبياد الرياضيات الدولي، ما يمثل خطوة هامة نحو تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تعقيدًا.

7. التنبؤ بالتفاعلات الكيميائية باستخدام الحوسبة الكمية

في خطوة رائدة أخرى، تعاونت جوجل مع جامعتين أمريكيتين لإجراء محاكاة كيميائية معقدة باستخدام الحوسبة الكمية، وهو ما يمثل خطوة كبيرة نحو تحسين قدرة الذكاء الاصطناعي في فهم التفاعلات الكيميائية. 

هذه المحاكاة تمكن الباحثين من إجراء تجارب دقيقة تتعلق بكيفية تفاعل الجزيئات الكيميائية في بيئات مختلفة، وهو ما سيؤدي إلى تطور في فهمنا لهذه التفاعلات وتصميم مواد وأدوية جديدة بمواصفات دقيقة.

مستقبل الاكتشافات العلمية بفضل الذكاء الاصطناعي

تستمر خوارزميات الذكاء الاصطناعي في التأثير العميق على العديد من التخصصات العلمية، مقدمة لنا أدوات قوية تُحسن من قدرتنا على حل التحديات الكبرى في مختلف المجالات. 

ومع استمرار تقدم هذه التقنيات، يُتوقع أن تصبح الاكتشافات العلمية أكثر سرعة ودقة، مما يعزز من قدرة البشرية على مواجهة التحديات المستقبلية في مجالات مثل الصحة، البيئة، والطاقة، ويساهم في تحسين جودة الحياة على كوكب الأرض.