التقطير.. تقنية تعيد تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي
ياسين عبد العزيز
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع الذكاء الاصطناعي، برزت تقنية "التقطير" كمحور اهتمام رئيسي يعيد رسم ملامح الصناعة، من خلال تمكين الشركات والمطورين من إنشاء نماذج لغوية عالية الكفاءة بتكلفة أقل.
وبينما كان تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة يتطلب موارد هائلة، أحدثت تقنية التقطير ثورة حقيقية في هذا المجال، إذ أتاحت إمكانية تدريب نماذج أصغر مستندة إلى النماذج العملاقة، ما ساهم في تقليل الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية الحوسبية.
التقطير
تستند تقنية التقطير إلى مفهوم يتمثل في "تعليم" نموذج ذكاء اصطناعي أصغر من نموذج أكبر وأكثر تعقيدًا، بحيث يكتسب النموذج الصغير القدرات والمهارات الأساسية للنموذج الأكبر مع استهلاك موارد أقل.
وقد كانت هذه الفكرة مطروحة منذ سنوات، إلا أنها شهدت قفزة نوعية مؤخرًا مع ظهور نماذج مفتوحة المصدر ذات قدرات متطورة، ما سمح بتطبيق التقطير على نطاق أوسع.
وأصبحت هذه التقنية محط اهتمام الشركات الناشئة التي تسعى إلى المنافسة في سوق يسيطر عليه عمالقة التكنولوجيا، نظرًا لما توفره من إمكانيات هائلة لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي متخصصة وفعالة من حيث التكلفة.
لقد شهد العالم في الأشهر الأخيرة موجة من الابتكارات القائمة على تقنية التقطير، إذ نجحت شركات ناشئة وجامعات بحثية في بناء نماذج لغوية بمواصفات قوية وبتكلفة منخفضة للغاية، على سبيل المثال، تمكنت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة "DeepSeek" من تطوير نموذج منافس لنماذج OpenAI بتكلفة تدريب لم تتجاوز خمسة ملايين دولار، وهو إنجاز أثار ضجة كبيرة في السوق.
كما أظهرت أبحاث أكاديمية نُشرت مؤخرًا إمكانية تدريب نماذج تفكير عملي بتكلفة أقل من ألف دولار، وهو ما يعكس الإمكانات غير المحدودة لهذه التقنية.
ومن بين الفوائد الرئيسية لتقنية التقطير، قدرتها على خفض تكاليف تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يسمح للشركات الناشئة والمطورين المستقلين بتجربة أفكار جديدة دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام نموذج مفتوح المصدر مثل "Llama" من ميتا، ثم تقطيره ليتحول إلى نموذج متخصص في مجال معين، مثل القانون أو الطب، وقد أدى هذا التوجه إلى توسيع نطاق استخدامات الذكاء الاصطناعي، حيث بات بالإمكان تطوير نماذج تلبي احتياجات محددة بفعالية أكبر.

ورغم الفوائد العديدة التي توفرها تقنية التقطير، فإنها تواجه بعض التحديات، لاسيما ما يتعلق بجودة النماذج الناتجة، فبينما تتيح هذه التقنية تقليص حجم النماذج، قد يؤدي ذلك إلى فقدان بعض التفاصيل الدقيقة التي يتمتع بها النموذج الأصلي، كما أن بعض النماذج المقطرة قد تصبح متخصصة بشكل مفرط في مهمة معينة، ما يؤثر على أدائها في المهام العامة.
وقد حاول باحثون من شركة آبل تطوير "قانون لقياس التقطير" يتيح التنبؤ بأداء النماذج المقطرة، بهدف تجاوز هذه المشكلات وضمان تحقيق التوازن بين الحجم والكفاءة.
ومن ناحية أخرى، بدأت بعض الشركات الكبرى تتخذ إجراءات لمواجهة التحديات التي يفرضها التقطير، خصوصًا أنه يقلل من الحاجة إلى النماذج الضخمة التي تستثمر فيها هذه الشركات مبالغ طائلة.
ويعتقد بعض الخبراء أن شركات مثل OpenAI وAnthropic قد تلجأ إلى اتخاذ تدابير قانونية أو تقنية للحد من استخدام تقنية التقطير، مثل تقليص مستوى التفاصيل التي توفرها نماذجها الاستدلالية لمنع استخدامها في عمليات التقطير.
ومع ذلك، يظل من الصعب احتواء هذه التقنية في ظل انتشار النماذج مفتوحة المصدر، حيث يمكن لأي شخص الوصول إلى بيانات ضخمة تُستخدم في عمليات التدريب.
إن تقنية التقطير ليست مجرد أداة لخفض التكاليف، بل إنها تمثل ثورة في صناعة الذكاء الاصطناعي، إذ تعيد تعريف إمكانية الوصول إلى النماذج المتقدمة.
وبينما تستمر الشركات الكبرى في البحث عن طرق للحفاظ على تفوقها، يتزايد عدد المطورين الذين يستفيدون من هذه التقنية لإحداث تغيير جذري في المجال.
وفي ظل هذا المشهد المتغير، يبدو أن مستقبل الذكاء الاصطناعي سيشهد المزيد من التحولات العميقة، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة، وأقل تكلفة، وأكثر انتشارًا من أي وقت مضى.
لمتابعة صفحة موبايل نيوز على فيسبوك اضغط هنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
أحدث الموبايلات
-
Apple iPhone 13 Pro Max
-
Xiaomi Redmi Note 11
-
Samsung Galaxy A52s
-
OPPO Reno6 Pro 5G
-
realme GT2 Pro
-
vivo Y19
-
Honor 50 Pro
-
Huawei Nova 9
-
Nokia 8.3 5G
هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟
-
نعم
-
لا
-
غير مهتم
أكثر الكلمات انتشاراً