الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية.. كيف يهدد أو يعزز النظام القضائي؟

مراجعة : ياسين عبد العزيز

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 08:46 م

الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية

الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية

تسارع التكنولوجيا في مجالات الذكاء الاصطناعي قد فتح أبوابًا جديدة في شتى المجالات، ولا سيما في العدالة الجنائية، لكن ما بين الآمال الكبيرة التي تحملها هذه الابتكارات والتحديات التي تطرحها، يبقى السؤال: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تعزيز العدالة، أم أنه سيجلب تهديدات تتعلق بالخصوصية والمساواة؟

الوعود التقنية

بدأت الأجهزة الأمنية في مختلف أنحاء العالم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل واسع لتحسين عمليات التحقيقات وتعزيز الأمن العام، ففي هذا السياق، تبرز تقنيات مثل أنظمة التعرف على الوجوه، وتحديد لوحات السيارات تلقائيًا، بالإضافة إلى روبوتات الشرطة التي تمثل تطورًا كبيرًا في أداء أجهزة الشرطة، هذه الأنظمة تساعد بشكل فعال في تقليل الجرائم والكشف عنها سريعًا، ما يساهم في تعزيز مستوى الأمان داخل المجتمعات.

الأمر نفسه ينطبق على المحاكم والقضاة الذين بدأوا في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لإدارة القضايا وتنظيمها بسرعة وكفاءة أكبر، مما يسمح لهم باتخاذ القرارات بناءً على تحليل البيانات الضخم والتنبؤ بالنتائج المتوقعة.

ورغم هذه الفوائد المحتملة، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية يثير مخاوف جدية حول التحديات التي قد ينطوي عليها، من أبرز هذه المخاوف خطر التحيز في الخوارزميات، التي يمكن أن تنتج عنها قرارات غير عادلة، لاسيما في القضايا التي تتعلق بالتمييز العنصري أو الفئات المهمشة، فقد أظهرت دراسات عديدة أن الخوارزميات التي تعتمد عليها بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تحمل تحيزات مبنية على بيانات غير محايدة، ما يؤدي إلى نتائج غير منصفة.

هذا الخطر قد يتفاقم في حال استخدام الخوارزميات في اتخاذ قرارات مصيرية مثل تحديد الأهلية للإفراج المشروط أو تقييم المخاطر المستقبلية للأفراد، في هذه الحالة، قد تجد الفئات المهمشة نفسها ضحية لقرارات آلية لا تراعي الواقع الاجتماعي أو التاريخ الشخصي.

استخدام الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية.. فرصة أم تهديد؟

إحدى أخطر التحديات التي تطرحها تقنيات الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية هي مسألة الأدلة المزيفة. فقد أدى التقدم في تقنيات التزييف العميق (Deepfake) إلى ظهور أدلة مزيفة بشكل غير قابل للتفريق عن الحقيقة. 

سواء كانت صورًا، مقاطع فيديو، أو حتى أصواتًا مزيفة، بات من السهل إنتاج أدلة قد تغير مجرى القضايا في المحاكم، مما يثير تساؤلات كبيرة حول مصداقية الأدلة الرقمية في القضاء.

وقد أثارت هذه الظاهرة قلقًا متزايدًا بين المحامين والقضاة، الذين يخشون من أن يصبح التلاعب بالأدلة أمرًا شائعًا في المحاكم، ما يهدد نزاهة النظام القضائي. 

المثال الأبرز على ذلك هو قضية "جوشوا دولين" الذي كان متهمًا بالمشاركة في أحداث 6 يناير في الولايات المتحدة، حيث تم التشكيك في مصداقية مقاطع الفيديو التي قدمها الادعاء، وتساءل الدفاع عن إمكانية تلاعبها.

واحدة من أبرز القضايا التي تثيرها تقنية الذكاء الاصطناعي هي انتهاك الخصوصية. في عام 2020، كشف تحقيق في صحيفة "نيويورك تايمز" عن استخدام شركة "Clearview AI" لتقنية التعرف على الوجوه، حيث قامت بجمع أكثر من 3 مليارات صورة من الإنترنت بشكل غير قانوني من منصات التواصل الاجتماعي، هذه الصور كانت تُستخدم من قبل الشرطة في مختلف أنحاء العالم لتحديد المشتبه بهم في القضايا الجنائية. 

وبالرغم من الادعاءات التي قدمتها الشركة حول فاعلية هذه التقنية في حل الجرائم، إلا أن العديد من البلدان فرضت قيودًا على استخدام هذه الأنظمة بسبب تهديدها للخصوصية.

هل يمكن تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي؟

تسعى العديد من الدول إلى وضع قوانين صارمة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية. ففي الاتحاد الأوروبي، أُقرت قوانين تحظر استخدام بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل جمع الصور الشخصية من الإنترنت دون إذن، أو تقييم احتمالية ارتكاب الجرائم بناءً على معلومات شخصية محددة، هذه الجهود القانونية تسعى إلى حماية الأفراد من الاستغلال غير العادل للتقنيات الحديثة، وضمان أنها تستخدم لصالح المجتمع.

إلى جانب هذه الجهود التنظيمية، يحتاج النظام القضائي إلى تطوير أدوات تكنولوجية جديدة يمكنها التعامل مع التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، خاصة في ما يتعلق بالأدلة المزيفة، من الضروري أن يكون هناك توازن بين الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي والمخاطر التي قد يهدد بها حقوق الإنسان الأساسية.

في ظل هذه التحديات، يبقى مستقبل الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية معلقًا بين الأمل والخوف، فبينما تعد هذه التقنية بإحداث تحول إيجابي في تحسين الكفاءة وزيادة الأمان، إلا أن استخدامها بشكل غير منظم قد يهدد الخصوصية ويزيد من التمييز العنصري ويضعف العدالة. 

ومن هنا، يتعين على الحكومات والمؤسسات المعنية العمل على وضع أطر قانونية واضحة تضمن استخدام هذه التقنيات بما يتماشى مع القيم الإنسانية، وفي إطار يحترم الحقوق الفردية ويعزز العدالة للجميع.

ابحث عن مواصفات هاتفك

Back Top