الأربعاء، 23 أبريل 2025

11:44 م

tru

الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل البحث العلمي.. التحول الذي لا مفر منه

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي

ياسين عبد العزيز

A A

في عام 2024، شهد البحث العلمي تحولًا نوعيًا جلبه الذكاء الاصطناعي، فقد أصبح هذا المجال محركًا رئيسيًا للاكتشافات في مختلف التخصصات العلمية. 

وصف البعض هذا العام بـ"عام الذكاء الاصطناعي في العلوم"، وهو توصيف تجسد في منح جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء لعام 2024 لعلماء ساهموا بشكل جوهري في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها، كان هذا الاعتراف من المؤسسات العلمية الكبرى بمثابة تكريم رسمي لدور الذكاء الاصطناعي المتزايد في تسريع الاكتشافات العلمية.

لكن هذا التحول السريع يثير تساؤلات ومخاوف تتعلق بمستقبل البحث العلمي، أحد القلقات الرئيسية يتمثل في تفاوت الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، فبينما يمكن لبعض المؤسسات البحثية الكبرى أن تحصل على هذه الأدوات المتطورة، قد تبقى المختبرات الأصغر أو تلك التي تفتقر إلى التمويل الكافي في وضع أقل قدرة على إجراء أبحاث متقدمة. 

هذا التفاوت قد يؤدي إلى اختلالات في تكافؤ الفرص ويقيد التقدم في مختلف أنحاء العالم، مما يهدد بمزيد من التفاوت في تطوير العلوم والمعرفة.

جوائز نوبل تكرم إنجازات الذكاء الاصطناعي

كانت جوائز نوبل لعام 2024 شهادة حية على دور الذكاء الاصطناعي في العلوم، ففي مجال الفيزياء، مُنحت الجائزة لكل من جون هوبفيلد وجيفري هينتون تقديرًا لإسهاماتهما في تطوير شبكات التعلم الآلي العصبية الاصطناعية، التي تشكل العمود الفقري للذكاء الاصطناعي. 

أما في الكيمياء، فكانت الجائزة من نصيب فريق جوجل ديب مايند عن تطوير نموذج (AlphaFold)، الذي حل واحدة من أصعب الألغاز العلمية عبر التنبؤ ببنية البروتينات وطريقة طيها، وهو تحدٍ استعصى على العلماء لعقود.

من المهم أن نلاحظ أن جائزة نوبل في الكيمياء لم تكن عن تطوير الذكاء الاصطناعي ذاته، بل عن الاكتشافات العلمية التي تم تحقيقها باستخدام هذه التقنية. 

بمعنى آخر، كان الهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي هو حل مشاكل علمية معقدة، وهو ما يشير إلى تحول جذري في دور الذكاء الاصطناعي، الذي انتقل من كونه أداة دراسية إلى أداة أساسية لدفع عجلة البحث والاكتشافات العلمية.

الذكاء الاصطناعي يتجاوز الأداء البشري

لم يبدأ دور الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي مع ظهور تقنيات مثل روبوت ChatGPT، بل سبقه تطور طويل، فقد سجل الذكاء الاصطناعي أول إنجازات كبيرة عندما بدأ في التفوق على الأداء البشري في مهام معينة. 

في 2015، حقق نظام (ResNet) التابع لشركة مايكروسوفت نجاحًا كبيرًا بتجاوزه أداء البشر في اختبار (ImageNet)، وهو معيار لقياس قدرة الأنظمة على تصنيف الصور، هذا النجاح فتح الباب لاستخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة الصور على نطاق واسع، كذلك، في 2019، تجاوز نظام (RoBERTa) أداء البشر في اختبار (GLUE) في مهام تصنيف النصوص والتلخيص.

تعد هذه الإنجازات أكثر من مجرد تقدم تقني، فقد كانت بمثابة أدوات قوية في يد الباحثين، فبفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان استخدام صور الأقمار الصناعية لتحليل مستوى الفقر في مناطق مختلفة من العالم، أو استخدام الصور الطبية للكشف المبكر عن السرطان بكفاءة ودقة عالية.

دور الذكاء الاصطناعي في فهم البيانات

لم يعد الذكاء الاصطناعي مقتصرًا على جمع البيانات ومعالجتها فقط، بل أصبح أداة قوية لفهم البيانات واستخلاص رؤى جديدة، في مجالات مثل الكيمياء والفيزياء، يستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل موسع في التنبؤ بسلوك الأنظمة المعقدة، مثل هياكل البروتينات وأنماط الطقس، هذه القدرة على معالجة البيانات بشكل أكثر تعقيدًا قد أسهمت في تقدم علمي هائل في هذه المجالات.

ولكن في العلوم الاجتماعية والطب، يكمن التحدي في فهم العلاقات السببية بين الظواهر، على سبيل المثال، في دراسة تأثير السياسات الاجتماعية أو الاقتصادية، لا يكفي مراقبة التغيرات التي تحدث بعد تطبيق السياسة، يحتاج الباحثون إلى تقدير كيف كان يمكن أن تكون الأمور في غياب هذه السياسة، وهو ما يُعرف بـ"المسار الافتراضي". 

هذا التحدي الكبير في فهم العلاقات السببية يتطلب أدوات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه تقديم نماذج معقدة تفسر كيفية عمل هذه الأنظمة.

الذكاء الاصطناعي والإنسان

رغم النجاحات التي حققها الذكاء الاصطناعي في مجالات البحث، لا يزال الإنسان هو العنصر الأهم في ربط البيانات بالواقع وفهم دلالاتها، بينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعالج كميات ضخمة من البيانات ويحل المشكلات اللغوية المعقدة، فإنه يفتقر إلى الفهم العميق للعالم المادي والتفاعل الحسي، في حين أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تكون متخصصة في مهمة واحدة، فإن الإنسان هو الذي يمكنه الربط بين المفاهيم والحلول العملية في الواقع.

التهديدات والتحديات المستقبلية

رغم الفوائد العديدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، فإن هناك تهديدات حقيقية تتمثل في تركز القوة في يد عدد قليل من الشركات الكبرى مثل جوجل ومايكروسوفت وميتا، مما يهدد بتقليص دور المؤسسات العامة والأكاديمية في البحث العلمي، هذه الشركات، التي تقود الابتكارات في الذكاء الاصطناعي، قد تحتكر المجال وتؤثر في مسار الأبحاث.

لا تزال هناك أسئلة حاسمة حول كيفية ضمان توزيع عادل للفوائد العلمية للذكاء الاصطناعي، إذا أردنا أن نحتفل بمستقبل علمي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، يجب أن نتأكد من أن هذه التقنية ستخدم البشرية جمعاء وليس فئة معينة.

لمتابعة المزيد من الأخبار اضغط هنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

search

أكثر الكلمات انتشاراً