الثلاثاء، 29 أبريل 2025

03:57 م

tru

الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل الخريطة المهنية عالميًا

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي

ياسين عبد العزيز

A A

يُجمع الخبراء والباحثون على أن الذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل بإحداث تحولات عميقة في سوق العمل العالمي، ويتوقع أن تتسارع هذه التحولات بنحو ملحوظ خلال العقود المقبلة.

ووفقًا لتقارير صادرة عن مؤسسات بارزة مثل PwC وMcKinsey والمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن نحو 60% من الوظائف الحالية ستخضع لتغييرات جوهرية بحلول عام 2050، وخصوصًا مع تصاعد وتيرة الاعتماد على الأتمتة والأنظمة الذكية، وازدياد قدرتها على تنفيذ مهام بشرية تقليدية بكفاءة وسرعة ودقة.

مستقبل غير متوازن

ويحذر المستثمر الأمريكي الشهير "راي داليو"، مؤسس صندوق "بريدج ووتر"، من أن العالم يتجه نحو واقع جديد يتطلب توازنًا دقيقًا بين قوة الذكاء الاصطناعي والقدرات البشرية، ويدعو إلى ضرورة استعداد الأفراد والمؤسسات لهذه التحولات الجذرية، لأن من يتهيأ مبكرًا لهذا التغيير قد يمتلك فرصًا ريادية في المستقبل، ومن يتأخر، قد يجد نفسه خارج السوق.

خسائر ضخمة

ويتوقع تقرير صادر عن شركة McKinsey أن 30% من الوظائف الحالية في الولايات المتحدة ستكون قابلة للأتمتة بحلول عام 2030، بينما يشير تقرير آخر من Goldman Sachs إلى إمكانية أتمتة ما يصل إلى 50% من الوظائف بحلول عام 2045.

ووفقًا لتقديراتهم، قد يؤدي هذا التوجه إلى إلغاء نحو 300 مليون وظيفة على مستوى العالم، ويمثل ذلك تحديًا غير مسبوق في قدرة الاقتصادات على استيعاب العمالة المتأثرة، وإعادة توزيعها في مجالات جديدة.

وظائف باقية

ورغم هذا التهديد الواسع، إلا أن بعض القطاعات ستظل محصنة لفترة أطول، وخصوصًا الوظائف التي تتطلب جهدًا بدنيًا مباشرًا مثل البناء، والنجارة، وأعمال التركيب والصيانة، والتي يصعب على الأنظمة الآلية استبدالها حاليًا، وخصوصًا أن هذه الأعمال تعتمد على تفاعل ديناميكي مع البيئات غير المنظمة، وهو أمر لا يزال خارج قدرات الروبوتات المعاصرة.

انهيار إداري

ويُتوقع أن تكون الوظائف الإدارية من أوائل المهن التي ستتأثر بتطور أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث تُظهر دراسة أجراها معهد الأبحاث السياسية العامة (IPPR) أن نحو 60% من المهام الإدارية قابلة للأتمتة، وخصوصًا تلك التي تعتمد على إدخال البيانات، وجدولة المواعيد، وخدمة العملاء، وهي وظائف بدأت بالانخفاض فعليًا، بفضل الانتشار السريع لتقنيات مثل روبوتات الدردشة التفاعلية وأدوات أتمتة سير العمل.

تحليل واستبدال

وفي مجال التحليل البياني، أصبحت أدوات مثل Bloomberg Terminal قادرة على إنتاج تقارير دقيقة وسريعة تتفوق على محللي البيانات التقليديين، ويمتد هذا التأثير ليشمل المساعدين القانونيين، وصياغة العقود، والبحوث القانونية، التي بدأت تقنيات مثل Harvey وCoCounsel في تنفيذها بدقة وصلت إلى 90%، حسب دراسة أجرتها جامعة ستانفورد، ويدل ذلك على أن الذكاء الاصطناعي بات قادراً على أداء أدوار بحثية واستشارية معقدة، وهو ما يهدد قطاعات بأكملها.

إبداع مهدد

كما بدأت أدوات التصميم والكتابة الإبداعية، مثل DALL·E ونماذج GPT، بإحداث تغيير كبير في مجالات التصميم الجرافيكي، والكتابة الإعلانية، وحتى الصحافة.

ووفقًا لتقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث، فإن نحو 30% من وظائف الإعلام قد تخضع للأتمتة بحلول عام 2035، ويفتح ذلك تساؤلات واسعة حول مستقبل الإبداع البشري في عصر إنتاج المحتوى الآلي، وخصوصًا أن الكفاءة والسرعة لم تعدا ميزة حصرية للبشر.

برمجة متغيرة

أما بالنسبة لمطوري البرمجيات، فالمشهد أكثر تعقيدًا، إذ يُسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز إنتاجيتهم من جهة، ويهدد في المقابل بأتمتة المهام الروتينية من جهة أخرى، وقد قدّر تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي أن 40% من مهام البرمجة ستكون قابلة للأتمتة بحلول عام 2040، ويدعو ذلك إلى تطوير مهارات أعلى تركز على التفكير التحليلي والتصميم المعماري للأنظمة، بدلاً من كتابة الأكواد فقط.

مجالات آمنة

وتبقى بعض المجالات مثل الرعاية الصحية، والتعليم، بعيدة عن الخطر الكامل، وخصوصًا أن المهن التي تتطلب تعاطفًا إنسانيًا مباشرًا، مثل التمريض، والعلاج النفسي، والتعليم الابتدائي، تعتمد على الذكاء العاطفي والعلاقات الشخصية، وهي أمور يصعب على الذكاء الاصطناعي محاكاتها في الوقت الراهن.

 ووفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن 10% فقط من مهام التدريس ستكون قابلة للأتمتة بحلول 2040، وهو ما يمنح هذه المجالات فترة حماية أطول نسبيًا.

وبينما تسير الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة، فإن استجابة المجتمعات والحكومات والمؤسسات التعليمية ستكون حاسمة في التخفيف من تأثيرها على العمالة، ويدعو العديد من الخبراء إلى تطوير برامج تدريبية فعالة، وتعزيز المهارات البشرية التي لا يمكن تقليدها، لضمان استمرار دور الإنسان في عالم تتحكم فيه الخوارزميات بشكل متزايد.

search

أكثر الكلمات انتشاراً